تتوسط مدينة اسكي شهير منطقة الأناضول في الشمال الغربي لتركيا، وتبعد عن العاصمة أنقرة حوالي 233 كم، بنيت في زمن الإغريق على شواطئ نهر بورسيك في الألفيه الأولى قبل الميلاد، بحيث تلقب بالمدينة القديمة، وتعتبر من أهم تقاطعات الطرق في تركيا، وهي مشهورة بمياهها الحارة التي تشفي كثيرًا من الأمراض.
وتشتهر أيضا بكثرة الحلويات مثل حلوى المت، والنوجا، وفطيرالهشهاش، ومياه الكلاباك، وتشببورك (قطايف)، وعلاوة علي ذلك يُنظم كل عام المهرجان القومي لاسكي شهير، وتقام فيه المعارض الغذائية المنوعة، والحفلات الغنائية، والمسرحيات، وغيرها.
و تشتهر اسكي شهير بالتلال الخصبة، والينابيع الساخنة التي ياتي اليها السياح للاستجمام والعلاج، ويذكر أن اسكي شهير تحظى بأهمية كبيرة في تركيا بسبب الحيوان أو الكلب المعروف "بالأك باش"، أي ذو الرأس الأبيض، وهو كلب لونه أبيض بالكامل، ويوجد في اسكي شهير فقط، ويُعتقد أنه وصل إلى تركيا في القرن الثالث عشر بعد استيلاء المغول عليها.
وتعتبر اسكي شهير مركزا ثقافيا خرج منها العديد من الشعراء والكتاب الأتراك، لما تبعث به شواهدها على الطمأنينة والسكينة والأبداع، ومعروفة أيضا باسم المدينة الجامعية، أو مدينة الطلاب، حيث يوجد بها جامعة عثمان غازي، وجامعة الأناضول التي تحوي عددًا ضخمًا من الطلبة.
كما يستخرج في اسكي شهير نوعٌ من الأحجار يسمي حجر "الاسبيوليت"، والذي يستخدم في صناعة المنحوتات، والحلي، وغيرها، وتطلق عليه عدة أسماء منها"الذهب الأبيض"، و"زبد البحر"، و"حجر الخلد".
وأجمل منتوجات هذا الحجر وأكثرها جودة تصنع في "ألبو" بولاية اسكي شهير، وتضاهي ما يستخرج في كل من الولايات المتحدة الأمريكية، واليونان، وجمهورية التشيك وفرنسا وإسبانيا والمغرب.
ويقوم القرويون باسكي شهير بحفر آبار عمودية من عمق 40 إلى 330 مترا في باطن الأرض، للوصول إلى أماكن "الاسبيولييت"، ومن ثم يستخرجونه بشكل يدوي دون استخدام آلات.
ويمر الحجر بعدة مراحل تصنيع قبل أن يتحول إلى قطعة فنية، بداية يتم تهذيب الحجر الذي يكون غير منتظم الأطراف، ويحدد شكله وحجمه، وطبيعة القطعة الفنية التي سيتحول إليها بحيث يحتاج ذلك مهارة خاصة، وتعرض في الأسواق لبيعها، وتشهد إقبالا من الأتراك والسياح الذين يرغبون باقتناء مثل هذه القطع الفنية، بحيث تبدأ بسعر 5 ليرات تركية، وتصل إلى آلاف الليرات.
وتتميز اسكي شهير بانتشار مزارع تربية الخيول العربية الأصيلة، وقد عرفت هذه المدينة الخيول منذ القرن التاسع عشر، حينما خصص السلطان العثماني محمود الثاني مزرعة سلطانية لتربيتها خدمةُ للقصر وجنود السلطنة العثمانية، التي كانت تقود حروب الفتوحات، وتحارب دول الاستعمار.
واستمر من حينها حتى الآن جلب الخيول العربية الأصيلة من سوريا والعراق والمنطقة العربية، بحيث يساعد المناخ المعتدل في مدينة اسكي اشهير على تربية الخيول بهذه المنطقة، والتي تتناسب مع طقسها.
ويهتم الأتراك بهذه الخيول اهتماما خاصا، حيث يزرعون تحت جلد رقبة الحصان شريحة خاصة، تحمل معلومات عن الحصان مثل رقمه، وشجرة عائلته، وحتى ملاكُهُ السابقون، وأين تربى، وأين عاش، مما يسهل على ملاك الخيول معرفة أفضلها، وتكثير نسلها، بحيث تُفصل الذكور عن الإناث بمزراع خاصة تمنع اختلاطها، وتحافظ على عرقها الأصيل.
وسبق أن أشار الرئيس التركي رجب طيب أرودغان إلى أهمية الخيول في الثقافة والتاريخ التركي، في إطار فعاليات معرض الخيول العربية بالعاصمة أنقرة، حينها كشف أن أمير قطر، تميم بن حمد، أرسل هدية مكونة من 53 من الخيول العربية الأصيلة، وموضحا أن الخيول القادمة من قطر وصلت إلى تركيا، وتخضع للكشف البيطري في مدينة أسكي شهير، وأن من المقرر أن يتم إرسال الخيول إلى الاسطبلات المخصصة لها عقب انتهاء الكشف البيطري.
ويفضل الخيل العربي على غيره من الخيول في اسكي شهير كونه يحمل صفات معينة، منها الصبر، والذكاء، وقوة التحمل، والوفاء، والخصوبة، وسرعة الجري.
وتعتبر قرية المحمودية في اسكي شهير من أبرز أماكن تربية الخيول العربية في تركيا بحوالي 80 مزرعة، و4000 رأس خيل عربي.
أكثر الأماكن المميزة في المدينة
هناك الكثير من الأماكن الجميلة في “أسكي شهير” والتي يحب السياح المرور بها بشكل دائم، نذكر منها:
– نهير بورسوك تشايي وموقع الجزر:
يمكنكم المشاركة في رحلات الجندول والمراكب في الأجواء المشمسة بنهر بورسوك تشايي بمنطقة الجزر، التي تضيف جمالا إلى أسكي شهير، وهو الأمر الذي سيشعركم كما لو أنكم في أمستردام أو فينيسيا. كما يمكنكم الاستمتاع بالبيئة المحيطة أثناء تناول القهوة في المقاهي بجوار النهر. وقد تصادفون السيدات المسنات بملابسهن التقليدية اللاتي يجلسن على جانبي النهير ويتحدثن فيما بينهن. فلا تنسوا التقاط صور تذكارية معهن.
– منازل أودن بازاري التاريخية:
قبل فترة قصيرة جُدّدت المنازل الموجودة في المنطقة السكنية القديمة بالمدينة، واكتسبت مظهرا جذابا. فمنازل أودن بازاري (سوق الحطب)، التي ستصادفونها داخل حي أو حيّين متفرعين من الشارع الرئيسي تشعركم كما لو أنكم دخلتم في نفق زمني، وستأخذكم في رحلة جميلة إلى الماضي في حاراتها المسدودة وطرقها المتعرجة ومنازلها ذات المشربيات المزينة بالأخشاب.
حديقة المدينة:
في حديقة المدينة Kentpark، التي تجذب من رآها لاعتقادهم أن أسكيشهير ليس بها بحر، هناك شاطئ وبحيرة اصطناعية ستذكركم بسواحل البحر المتوسط بشمسياته. وتعمل هذه الساحة، التي تروي ظمأ سكان أسكيشهير للبحر خلال فصل الصيف، على خدمة زائريها من خلال الحديقة الموجودة بها والساحات الخضراء والمقاهي الصغيرة. أما في شهور الشتاء وخصوصا عند سقوط الثلج فإن منظر الحديقة المغطى بالثلوج كسائر المدينة يستحق المشاهدة.
– سازوفا (حديقة العلم والثقافة والفن):
سازوفا هي محط أنظار العائلات التي لديها أطفال على وجه الخصوص. فهي تلفت الأنظار بقلعة الحكايات ومنزل الفضاء والسفينة الحربية وجولة القطار التي ستضمن تجوّلكم في الحديقة باستمتاع. كما تحتوي الحديقة المقامة فوق مساحة خضراء ضخمة على بحيرة اصطناعية.
وتعد سازوفا الواقعة على طريق كوتاهيا مكانا رائعا سترغبون في التجول به مع أصدقائكم أو أزواجكم وأولادكم والاسترخاء في مقاهيه.
– الحديقة اليابانية:
في هذه الحديقة التي تبلغ مساحتها 22 فدانا، وعلى هضبة الكرز الموجودة داخل الحديقة يمكنكم استكشاف ثقافتها ومشاهدة ألوان أشجار الكرز الياباني “ساكورا” الزاهية التي تتفتح في الربيع.
– معسكر إينونو للطائرات الشراعية:
أول ما يخطر على البال عند تجربة الطيران معسكر الطائرات الشراعية والمظلات التابع لهيئة الطيران التركية في إينونو. فخلال شهور الصيف يقدم المعسكر دورات تدريبية في الطائرات الشراعية والمناطيد والطيران الشراعي المعلق والمظلات. ويقدم فرصة مثالية لدراسة الطيران وكذلك التنزه.
– منزل نصر الدين هوجا (جحا):
نصر الدين هوجا أو كما يعرف في العالم العربي باسم “جحا” بالإضافة ليونس أمره وسيد بطال غازي هي من ضمن الأسماء المهمة التي ارتبطت بالمدينة.
ولد نصر الدين هوجا، المفكر الشعبي الذي نعرفه بجانبه الفكاهي، عام 1208 في قرية هورتو ببلدة سيفري حصار. أما قبره فيوجد في بلدة أكشهير بمدينة قونيا المجاورة لأسكي شهير. وإن كنتم ترغبون في رؤية المنزل الذي ولد فيه فيجب عليكم زيارة قرية هورتو. كما توجد مدرسة يونس أمره وضريحه في بلدة ميهالي جتشيك.
– صفحة من التاريخ العتيق:
شهدت المدينة على مدار التاريخ العديد من الحضارات مثل الحيثيين والموناتيين الذين استقروا على أطراف السهول الخصبة التي تغذيها أنهار سكاريا وبورسوك. كما تستضيف المدينة نصب ميداس الواقع في مركز أطلال مدينة فريجيا العتيقة. ويعود تاريخ نصب ميداس الموجود في قرية يازيليكايا الواقعة على بعد 80 كيلومترا من مركز المدينة إلى عام 600 قبل الميلاد وهو أضخم نصب تذكاري في وادي فريج الفسيح.
وبجانب قرية يازيليكايا هناك أيضا قلعة دوغانلي وقلعة كومبيت آثار وهما من البقايا التاريخية القديمة التي تستحق المشاهدة.